التفكير برّه الصندوق.. ممنوع منعاً باتاً!

واحدة صاحبتي، جميلة قوي، حكت لي حكاية مؤلمة ومضحكة في نفس الوقت،  فكرتني إن فعلاً “شر البالية ما يضحك.”  صاحبتي دي جالها عريس وكان واضح إن إمكانياته المادية مش قد كده، بس كان مهندس معماري طموح وبيشتغل في شركة كبيرة وشكله كمان كان كويس. فقررت صاحبتي إنه تقبله خصوصا ان وضعها المادي مرتاح ومش محتاجة لعريس غني. وجه اليوم الموعود بتاع مقابلة الأهل عشان يتكلموا في تفاصيل الخطوبة والجواز والذي منه. وفجرت صاحبتي مفاجأة من العيار التقيل، وأعلنت إنها مش عايزة شبكة ولا فرح. أهلها كانوا شايفين إن ده تصرف غلط تماماً، لإنها بتتنازل عن حقوقها من الأول و بترخص نفسها، لكن هي أصرت وقالت إن كل دي مظاهر فارغة و هي مش محتاجاها ومش عايزة تحط عبئ على العريس.

أنا عارفة إن كلكم بتفكروا قد إيه البنت دي جدعة وقنوعة وبنت ناس والحاجات الحلوة دي، أنا كمان قلت زيكم كده بس للأسف عائلة العريس كان لها رأي تاني. المضحك في الموضوع إنهم هم اللي رفضوا إن ابنهم يرتبط بالبنت دي؛ وبالبلدي كده فركشوا الجوازة. “فعلاً!… إزاي… دي عروسة لُقطة… طب ليه؟؟”

لإن ببساطة المجتمع ده بقى فيه توقعات معينة ومحددة، وأي حد مش هيمشي مع التوقعات دي هايبقى غريب ووراه إنّ وأخواتها، وأكيد فيه عيب بيحاول يخبيه. وهو ده اللي اتقال على البنت الجميلة اللي كانت عايزة تستقر و تبدأ حياتها،  فتنازلت عن حاجات عشان المركب تمشي – حاجات هي شايفاها مش مهمة أصلاً.

المجتمع زي ما يكون معمُله عمل، ماشي مغمض عينيه ورا عادات وتقاليد مالهاش أي صَلة بالدين ولا بالمنطق ومصمم عليها لحد آخر نفس، ده فيه محافظات بيجهزوا العروسة بتالجتين وغسالتين و بوتاجازين مع انهم تقريبا مش لاقيين ياكلوا. الكل بيتفاخر و بيتنافس و لكن للأسف الأساس فاضي، علشان كده كل الصيني الأجهزة والنيش ما بيمنعوش الطلاق في الآخر. الأزمة هي إن في بنات بيتفرض عليهم الفكر ده من أهلهم، وإذا البنت اختارت انها ما تعملش فرح مثلاً بتسمع جمل زي “ده انا طول عمري كان نفسي اشوفك في عروسة،  ليه هتحرميني من اليوم ده؟” وكلام تاني يقطع القلب ويخلي البنت عقلها يتحوّل وتحس إنها لازم تمشي مع التيار.

الموضوع اللي أنا بناقشه هنا أخطر من مجرد طلبات بيطلبها الأهل علشان يأمنوا مستقبل بناتهم، الموضوع هنا حكم قاسي بيصدر على بنت بإنها معيوبة لمجرد إنها حاولت تفكر بره الصندوق وتقلل من الأعباء والضغوط على العريس وأسرته فكانوا هما أول اللي أدانوها. أنا مش بعمم وأقول إن كل بنت بتتنازل عن الشبكة والفرح بيحصل معها نفس السيناريو،  لكن في نماذج سيئة كتير. المجتمع قاسي جدا وبيصدر أحكام صعبة طول الوقت مش بس على الستات، على أي حد بيحاول يطور من الأفكار المتحجرة اللي بنقابلها كل يوم.

للأسف المجتمع بيرفض الإختلاف والتنوع وبيحاول يعمل نسخ من أفراده وبينسى إن الإختلاف هو سنة  في الكون، وإن الناس اللي فكروا بطريقة مختلفة هم أكتر ناس أفادوا البشرية كلها زي آينشتاين وأديسون و بيل جيتس و غيرهم. الخروج عن عادات المجتمع مش سهل ولكنه ضروري أحياناً، وبالأخص في زمن صعب زي اللي إحنا عايشينه.  التطور ده بيتطلب عزيمة قوية وجرأة لإن أي تغيير مهما كان صغير بيقابل معارضة قوية من المجتمع عشان إحنا بنحب الإستقرار وخلاص. حتى ولو كان الإستقرار ده بيعني ركود ملوش أي منطق او فايدة.

No Comments Yet

Leave a Reply

Your email address will not be published.