“ابني ٨ سنوات الولد معروف عنه إنه طيب ومؤدب جدًا لكن فجأة بقى عصبي جدًا وبيعامل أصحابه بطريقة عنيفة وبتجيله كوابيس بالليل أتصرف معاه إزاي يا دكتور” ده كان حديثي مع أم في غرفة العلاج النفسي للأطفال باللعب، وبعد سؤالي بشكل متعمق عن المستجدات في حياة البيت والطفل، كان ردها “هو في غيرها أحداث غزة اليومين دول اللي تحزن!“. أما عن الطفل فطلبت منه رسم صورة، رسمته كانت بخلفية صفراء فيها ألوان وأشكال مشتتة، سألته: ممكن تحكيلي عن الرسمة؟ رد الطفل: “ده آخر فيديو شوفته مع أصحابي في أوتوبيس المدرسة!“
أبحاث ودرسات:
أثبتت الدراسات اللي اتعملت بعد انتشار فيديو حادث ١١ سبتمبر إن التعرض غير المباشر عن طريق الميديا لأعمال عنف وإرهاب بيأثر تأثير شديد على نفسية الأطفال تحديدًا، على المدى القصير والبعيد (حتى بعد انتهاء الأحداث). والسبب في ذلك هو هشاشة نفسية الأطفال وعدم نضوجهم وامتلاكهم مهارات بشكل كافي يساعدهم على التكيف مع الأحداث الصادمة بعكس البالغين.
الأطفال مختلفين عن الكبار في استقبالهم للصدمات، عقول الأطفال بتحميهم من أي حاجة أقوى من قدرتهم على التحمل. فلما بيواجهوا أخبار مؤلمة جدًا مش بيختبروا المشاعر التقيلة كلها في وقت التعرض للصدمة زي البالغين، لكنهم بيختبروا الصدمات بشكل متقطع وعلى فترات طويلة وبعيدة ويرجعوا يفتكروها في أوقات ومناسبات معينة. تأثيرات الصدمة بتظهر على الأطفال في شكل تغيرات سلوكية أو ضعف في الأداء الدراسي والتركيز وإنهم بيشغلوا نفسهم في أنشطة طول الوقت أو في اللعب للدرجة اللي تخلينا نفتكر إنهم خلاص نسيوا أو ماتأثروش قوي، لكن ده مش حقيقي. كل الأطفال بتتأثر عند تعرضهم لصدمات، لكن بدرجات مختلفة معتمدة على عدة عوامل زي: عمر الطفل أو البيئة المحيطة أو نفسية الوالدين وعلاقتهما، أو مقدرة الأهل على التأقلم مع الأحداث كمية وكيفية الأخبار اللي بيتعرض لها.
وعشان كدا الطفل اللي عنده ٨ سنوات والدته لاحظت تغير في سلوكه، لأنه اتعرض لتفاصيل كتيرة أكبر من قدرته على التحمل ولأن والدته (البيئة المحيطة) حزينة ومضغوطة بشكل واضح بالنسبة له على عكس الطبيعي.
هل أنا محتاجة أحكي للطفل وأعرضه لكل ده ولا لأ؟ وإزاي أحكي ؟
الطفل محتاج يعرف كل حاجة من الأهل لأن احنا في عصر كل خبر بينتشر بسرعة عالية لكل الفئات العمرية طول الوقت، والمدارس كمان بدأت تتكلم مع الطلبة عن غزة. فمهم إن الأهل يكونوا هم مصدر كل المعلومات وكأنهم بيفتحوا قناة مفتوحة بينهم وبين الأطفال بتقول من حقك تتكلم وتسألنا في أي موضوع دايمًا.
ولكن محتاجين أولًا نسألهم “تعرفوا إيه عن اللي بيحصل في غزة دلوقتي؟” فده يدينا فرصة نصحح بعض المعلومات عندهم ونقرر إيه اللي محتاجين نحكيه. ثانيًا، محتاجين نحكي في شكل “قصة” واضحة وبكلمات بسيطة وبدون أي تفاصيل مؤلمة أو شحن الطفل بمشاعر أكبر من قدرته على التعامل معاها.
ومهم نقوله شوية نقط تحميه وهيكون أفضل وفعال أكتر لو شافنا احنا كمان بنعملها:
- مش كل فيديو أو صورة بتيجي قدامنا نتفرج عليها، نقفلها على طول.
- لو أصحابك قالولك شوف الفيديو أو الصور دي قولهم لأ.
- لو شوفت أي حاجة من غير ما تقصد، أو لو حسيت بأي مشاعر تعالى اتكلم فيها معانا لأن ده من حقك.
- لو عندك أي سؤال تعالى اسألنا (ماما وبابا)، واحنا هنجاوبك (وهنا مهم جدًا إن لو مش عندنا إجابة في وقتٍ ما، أقول ده بوضوح وأوعده إني هدور وأحدد معاه وقت تاني قريب نتكلم فيه ولازم إحنا كأهالي نفتكر الوقت ده حتى لو هم نسيوه.
بعد ما نتكلم معاهم، لازم نشجعهم إنهم يعملوا اللي يقدروا عليه عشان يساعدوا أهل غزة لأن:
- الأطفال بتميل للشعور بالذنب والمسؤولية لأنهم متمركزين على نفسهم، حتى لو المشكلة اللي حاصلة مالهاش علاقة بيه هو كطفل، مساعدته هتحسسه إنه مش عاجز ومش السبب.
- هيساعدهم يتعلموا يفكروا في غيرهم من و هم صغيرين.
- توعيتهم هتساعد الضحايا بشكل أو بآخر.
- وكمان لأن مشاعرنا هي عبارة عن طاقة واحنا اللي بنختار نوجهها في تصرف يساعدنا ويساعد غيرنا أو تصرف يؤذينا أو يؤذي غيرنا، فحلو إن الأطفال تتعلم من وهي صغيرة لما يحسوا بمشاعر تقيلة، إنهم يوجِّهوها في تصرف يساعدهم ويساعد غيرهم.
طيب إزاي يقدروا يساعدوا؟
- التبرع بمصروفهم أو جزء منه.
- الدعاء والصلاة.
- كتابة جواب لربنا أو ليهم، ده كمان هيساعدهم يعبروا عن طريق الكتابة أو الرسم فمشاعرهم تهدا.
أهم حاجة إننا بعد ما نخلص كلام معاهم نطمنهم إنهم شخصيًا في أمان وإن الأحداث في مكان بعيد عنهم، عشان نحميهم من بعض تأثيرات الخوف والهلع زي الكوابيس والتبول اللا إرادي والعنف وغيرها من السلوكيات اللي لاحظتها كتير في جلسات الأسبوع ده.
لكن افتكروا دايمًا إن البيئة المحيطة للطفل هي إحدى العوامل اللي بتساعده يكون أفضل أو تزيد من تأثيرات الصدمة. في الطيارة التعليمات في حالة الطوارئ بتقول إنك قبل ما تساعد طفلك يلبس قناع التنفس محتاج أنت تلبسه الأول عشان تكون كويس وتقدر تساعده، و ده معناه إن جزء كبير جدًا من الصحة النفسية للأطفال معتمد على صحتنا احنا النفسية عن طريق لجوئنا للداعمين لينا واللي بنحبهم حتى لو مش هانتكلم، عدم التحدث عن ثقل الأحداث وتفاصيلها في وجود الطفل، وإجبار نفسنا على ممارسة هوايات قديمة محببة لنا مثل الرسم أو غيرها من المواهب، وكمان إجبار نفسنا على تحديد وقت لمتابعة الأخبار بدون متابعة كل تفاصيل الأحداث عن طريق السوشيال ميديا، والتعبير عن مشاعرنا في مكان آمن ومع شخص آمن أو حتى عن طريق الكتابة.
آخر حاجة أحب أسيبها معاكم هي إنه واحدة من أكبر مصادر الدعم والأمان عند الطفل هي إدراكه إن فيه قوة أعلى وأحكم منه وأكثر قدرة على التصرف، فخلونا نطمن الطفل ونفكره إننا لسة موجودين معاه وإن فيه قوة أعلى وأحكم وأقدر مننا احنا شخصيًا كمان وهو الله.