ترجمة: نوران العشري
تحدي العادات والتقاليد بيبقى قرار صعب وجريء دايمًا بس بيغير حياة الشخص اللي قرر إنه يعوم عكس التيار، بالذات لو في مكان زي مصر، اللي الناس فيه بتقدر التقاليد جدًا وبتلتزم بيها. والتقليدي في مصر، ان العيلة مكونة من أب وأم – متجوزين بعض أكيد – وأطفال، أي حاجة غير الشكل ده يعتبر غير تقليدي. أزواج من غير ولاد، أبهات وأمهات عزاب، أطفال متبنين وغيرها من أشكال للعيلة اللي بيبقى صعب على مجتمعنا تفهّمها. ليه؟ الإجابة المتكررة دايمًا هي “الاستقرار” ودي أكتر الإجابات استفزازًا اللي بيلجألها أي حد بيفضّل الوضع الحالي عن التغيير.
أكيد، الاستقرار العائلي مهم، بس مش هو الحاجة الوحيدة اللي بتحتاجها العيلة. العيلة بتحتاج تبقى صحية، سعيدة ومتفاهمة. مفيش عيلة أفرادها هيبقوا مبسوطين لو الزوجين مستقرين مع بعض بس فيه خلل في الأسرة أو مشاكل وخناقات. كم مرة سمعنا عن عائلات تعيسة لمجرد إن الزوجين قرروا يكملوا مع بعض “عشان خاطر الأولاد”؟ في كام راجل وست فضلوا عايشين من غير أطفال ومش عايزين ياخدوا خطوة التبني؟ وكام حد متجوزش بعد الطلاق عشان كلام الناس؟
عشان كدة مهم جدًا نتكلم عن العائلات الغير تقليدية دي ونفتخر بكل شخص تحدى الصور المغلوطة وقرر بشجاعة إنه يعيش بالطريقة اللي يحبها ويكّون شكل العيلة السعيدة من منظوره حتى لو كان الشكل ده غير تقليدي. احنا اتكلمنا مع نموذجين من “العيلة الغير تقليدية” وحكوا لنا حياتهم عاملة ازاي.
نائلة وأسيل
نائلة هي أم عزباء لطفلة متبنية واللي أسست عيلتها الصغيرة على أساس الحب بس. “كنت دايمًا بفكر في الموضوع. بعد ما اتطلقت من 13 سنة، قررت إني هتبنى طفل لما أتجوز تاني. كنت عايزة أتبنى حتى لو خلفت، يمكن عشان والدي كان يتيم،” قالت نائلة. في خلال حياتها، نائلة كانت ناوية انها تتبنى لما تتجوز تاني، “بس جالي هاتف جوايا قال لي إن حياتي مش هتتحسن غير لما آخد الخطوة دي.” رغم قناعتها من قرارها، كان لازم تحضر نفسها للخطوة دي. “كنت عارفة إني لازم أجهز نفسي، فبدأت أكتبلها جوابات على البلوج بتاعي. بعد فترة لقيت انها بدأت توحشني، مع إن ماكانش في حد أصلا. فضلت أعمل كدة لحد ما حسيت نفسي جاهزة،” قالت نائلة. الموضوع ده ساعد نائلة تسرع في الإجراءات والأوراق، “صاحبتي دينا الغامري اتبنت قبلي ومكانتش متجوزة برضو فقالتلي على كل الإجراءات. قدمت وطبعًا قالولي إني مينفعش أتبنى عشان مش متجوزة. كلمت دينا وقالتلي أقولهم إن في استثناء للستات بعد سن معين. كان في مشكلة تانية إني المفروض أبقى عايشة مع عيلة بس بما إني عايشة مع مامتي، اعتبرونا عيلة،” قالت نائلة، وبدأت من هنا الإجراءات.
بدأوا المندوبين يزوروا بيت نائلة عشان يتأكدوا إن البنت هتعيش في مكان كويس وبعدها كملت بقية الورق. قالت نائلة، “الطلب بيتراجع من لجنتين، وفي يوم عيد ميلادي الست المسئولة عن الطلب بعتتلي رسالة على واتس أب بتقول لي إن طلب التبني بتاعي اتوافق عليه.” بعدها، بدأت نائلة تلف على الملاجئ مع مامتها للمهمة الأصعب وهي اختيار الطفل اللي هتتبناه. “كنت بدعي ربنا بحاجتين، أول حاجة إني مضطرش أختار والحاجة التانية إني ألاقي طفل/ة لسه مولودين عشان ميبقاش ليهم ماضي،” قالت نائلة.
لحسن الحظ الطفلة اللي جت لنائلة كان عندها أسبوع واحد بس. “كانت صغيرة قوي،” قالت نائلة بس لما شافتها برضو ماكانتش متأكدة. مين ممكن يبقى متأكد من حاجة زي دي؟ ففضلت نائلة ومامتها يلفوا على الملاجئ.
لما رجعوا البيت اليوم ده، نائلة اتكلمت في الموضوع مع كذا حد من صحابها ولقيتهم كلهم مشجعين الموضوع، حتى اللي مكانوش مقتنعين في الأول. صلت استخارة قبل ما تنام ولما صحيت كانت واخدة القرار فكلمت الملجأ وقالت للست إنها عايزة البنت. بس اللي عرفته نائلة هو إنها لازم تستنى لما البنت تتم تلات شهور قبل ما تاخدها البيت. عشان كدة، فضلت هي بتزور الملجأ وتقضي كل يوم ساعة مع البنت. في الفترة دي بدأت تلاحظ كل حاجة بتحصل جوه الملاجئ. “كل واحدة من اللي شغالين هناك كانت بتبقى مسئولة عن اتنين أو تلات أطفال. كنت بدخل ألاقيهم بيتفرجوا على مسلسلات تركي والأطفال كل واحد في أوضته لوحدهم. مكانوش بيتعاملوا معاهم غير لو بيغيرولهم أو يحموهم، مش قادرة أتخيل نفسية الأطفال دي بتبقى عاملة ازاي لما يكبروا لو محدش اتبناهم،” قالت نائلة.
أخيرًا، عدت التلات شهور ونائلة قدرت تاخد البنت للبيت، بس الفترة الأولى كانت أبعد ما يكون عن أحلام الأمومة الوردية. “في أول أسبوع كانت بتقعد تعيط طول الليل. كنت بتجنن! كنت حاسة إني هموت في أخر الأسبوع ده. بس أختي كانت فرحانة بيها واحتفلت بيها بشكل كبير. كانت مسافرة ورجعت من برة جايبالها لبس ولعب كتير وكانت هي عنصر المرح،” قالت نائلة.
مع الوقت، في مشاكل أكبر بدأت تحصل بالذات مع التمييز المنتشر في مجتمعنا ضد الأطفال المُتبنين، وده اللي خلى نائلة حاسة إنها محتاجة تحمي بنتها، اللي سمتها أسيل، من كل ده. المشاكل اختلفت، بداية من الأندية الرياضية اللي بتطلب قيمة اشتراك أعلى لمجرد ان أسيل طفلة متبناة لحد مدارس مبتقبلش الأطفال المتبنين! نائلة كمان اضطرت تتعامل مع موقف اتعرضت له أسيل في الحضانة لما اتقالها إنها متبناة. “لقيتها جاية بتسألني، هو انتي مش مامي؟ فحاولت أخليها تحكيلي أكتر لحد ما قالتلي إن حد من اللي شغالين في الحضانة قالها كدة،” شرحت نائلة. “أنا مش متأكدة مين بالظبط اللي قال كدة عشان أسيل كانت صغيرة جدًا في الوقت ده، بس أنا مش عارفة ايه اللي ممكن يستفيدوه لما يعملوا كدة؟ أنا كنت ناوية أقولها بس ده مش معناه انكم تضطروني أعرفها بالطريقة دي،” قالت نائلة.
“لقيتها جاية بتسألني، هو انتي مش مامي؟”
لحسن الحظ، دينا أنقذت الموقف لما قالت لنائلة تشرح لأسيل إن في أم بتولد وأم بتربّي وتكبر. “قلتلها
مش أنا باخد بالي منك كويس؟ يبقى أنا مامتك. متتعبيش نفسك في التفكير في الحاجات دي،” بتحكي نائلة. بس ماكانش ده الموقف الوحيد اللي اتعرضتله أسيل. اكتشفت نائلة مرة إن الحضانة معزمتهاش على حفلة عيد الأم اللي بينظموها. “روحت البيت في اليوم ده، لقيت صور لليوم كله على فيسبوك وكل الأطفال معاهم أمهاتهم وأسيل لوحدها!” حكت نائلة. عشان كدة، لما نائلة قدمت لأسيل في حضانة تانية، بلغت المديرة من أول يوم إنها مش عايزة حد يعرف عن موضوع تبني أسيل. “الموضوع ده بالذات ليه خصوصيته عندنا. الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ومع ذلك بيجرحوا مشاعر المتبنين وأهاليهم. لو بتعمل كدة متقولش على نفسك متديّن،” قالت نائلة.
كان في مشكلة تانية نائلة توقعتها بس مفتكرتش إنها هتظهر بدري كدة وهي احتياج أسيل لعنصر الأب في حياتها. “كنت فاكرة الموضوع هيبان لما أسيل تدخل المدرسة بس في الحقيقة هو ظهر لما كان عندها سنة واحدة. كنت مصدومة،” قالت نائلة. “في حفلة عيد ميلادها الأول، جوز أختي كان هنا في مصر وأول ما دخل، جريت عليه مع إنها مكانتش فاكراه من أجازته الأخيرة اللي كان هنا فيها.”
لما كنا ننزل نشتري حاجات، كنت بلاقيها بتجري على الرجالة في الشارع. الحل العبقري اللي لقيته نائلة للموضوع ده هو إنها تاخد أسيل ويخرجوا مع صديق ليها – هو كمان أب أعزب – هو وبنته ويلعبوا مع بعض. خروجاتهم الأسبوعية دي ملت الفراغ في حياة أسيل.
أول حاجة هتيجي في دماغ أي حد يعرف قصة أسيل هو قد إيه هي محظوظة إن ليها أم بتحبها وتخاف عليها زي نائلة ومستعدة إنها تواجه الناس والمجتمع كله عشان بنتها تعيش حياة كويسة. “المجتمع مش فاهم إن الطفل اللي بتتبناه بيبقى ابنك فعلًا وبتنسى، بتتناسى، إنه مش ابنك البيولوجي ،” قالت نائلة اللي واضح إنها مش من الشخصيات اللي ممكن تخلي المجتمع يفرض عليها تعمل إيه ومتعملش إيه. “الناس مش خبراء في حياتي ولا في الموضوع عشان كدة حطيت حدود واضحة من البداية، مش مستعدة إن أي حد يدمر حياة بنتي. دي حاجة مقدسة، دي حياتها هي،” قالت نائلة.
“مش مستعدة إن أي حد يدمر حياة بنتي. دي حاجة مقدسة، دي حياتها هي”
منظور نائلة للحياة اتغير تمامًا بعد التبني وكله عشان بنتها. “بقيت أبص للحياة دلوقتي من خلالها. أنا كنت عزباء، تصرفاتي ممكن تبقى مش محسوبة في أوقات، كنت ممكن أمشي ورا مشاعري، بس دلوقتي كل حاجة مختلفة. دلوقتي أنا عايشة عشان أقدم لها حياة كويسة.” شرحت نائلة، “ده مش معناه إني أنسى نفسي، أنا محتاجة أبقى كويسة عشان أخليها كويسة.” نائلة وبنتها أسيل اللي عندها خمس سنين دلوقتي عايشين حياة سعيدة مع بعض ومستعدين لاكتشاف حاجات أكتر.
سالي وشريف
من العائلات الملهمة اللي ممكن تقابلها هي عيلة سالي حمزة وشريف حمدي. قصة سالي وشريف اللي مرت بمراحل مختلفة لسنين كتير، نتجت في الآخر عن تشكيل عيلة كبيرة مش تقليدية. سالي وشريف عرفوا بعض لما كانوا مراهقين وارتبطوا ببعض في الفترة دي لمدة تمان سنين، ورغم إنهم سابوا بعض بعدها، فضلت أحداث مختلفة تجمع بينهم. فمثلًا، بعد ما جواز سالي الأول انتهى، واللي خلفت منه بناتها التوأم ملك ونور اللي عندهم 18 سنة دلوقتي، سالي وشريف اتقابلوا تاني وفكروا في الجواز. بس النصيب مأرادش إن الموضوع يكمل وسابوا بعض تاني. سالي اتجوزت تاني وشريف كمان اتجوز للمرة الأولى. من جوازها التاني، سالي خلفت بنت، سنها 10 سنين دلوقتي، وسمتها حبيبة. بعد سبع سنين، جواز سالي انتهى وعاشت كأم عزباء في دبي. في الوقت ده، سالي وشريف اتقابلوا تاني بالصدفة – أو قدرًا – وكان شريف كمان انفصل عن زوجته ومعاه بنت اسمها مايا واللي عندها دلوقتي حوالي تسع سنين. رجعوا يتكلموا تاني وبعد حوالي 15 سنة وهم مش مع بعض، أخيرًا اتجوزوا.
بسبب قصة حبهم الطويلة، عيلة شريف رحبت بفكرة جوازه من سالي وأصحابهم شافوا إن دي النهاية المنطقية لقصتهم. “أول حاجة قالوها هي أخيرًا، القصة دي كملت ،” قال شريف. بس كعادة أي حاجة صعبة، لازم نحارب عشان نوصلها، سالي اضطرت تواجه أهلها بقرار جوازها للمرة التالتة. “الموضوع ماكانش سهل إني أفاتح أهلي فيه، بالذات بناتي اللي في الجامعة دلوقتي. مامتي قالتلي انتي جربتي الجواز مرتين وواضح إنه مش ليكي. وبناتي كانوا محرجين من فكرة إنهم يعيشوا مع راجل ميعرفهوش،” قالت سالي.
طبيعة الأم بتخليها تخاف على ولادها أكتر حاجة وعشان كدة سالي كانت حريصة إنها تمهد الموضوع لبناتها بسلاسة ودي كانت أصعب مهمة من وجهة نظرها. “الجزء الأصعب في دمج أي عيلة هو التمهيد للأولاد،” قالت سالي. عشان كدة شريف كان محظوظ لأن مايا كانت متحمسة إن يكون ليها اخوات. “كانت فرحانة عشان هيكون عندها اخوات واتبسطت جدًا لما قضت أجازة معاهم وسألتني، هما هييجوا يعيشوا في كندا معانا امتى؟” حكى شريف.
“الجزء الأصعب في دمج أي عيلة هو التمهيد للأولاد”
سالي وشريف كان ليهم تجربة فريدة ومختلفة في تكوين عيلتهم، بس زي أي حاجة بيبقى فيها السهل والصعب. “بيبقى صعب فهم المشاعر وردود الأفعال اللي ورا أي فعل بين الاخوات،” شرحت سالي. “بيبقى صعب كمان لما ولادك يتصرفوا بطريقة معينة ناحية جوزك ويبقى مطلوب منك تشرحي وجهة نظرهم عشان ميتفهموش غلط.”
بالنسبة لشريف، الاندماج مع بنات سالي كان التحدي الأصعب بالنسباله. “أصعب حاجة كانت الإندماج مع البنات عشان كدة بعد كتب الكتاب سافرنا كلنا الجونة وقلت لسالي إن ده عشان يتأكدلهم إني مش جاي عشان آخد مامتهم منهم، فكان وقت حلو عشان نقرب كلنا لبعض،” قال شريف.
رغم ده كله، بيبقى فيه جزء حلو في الموضوع حتى لو بياخد وقت عشان نوصل له. “بتبقى نعمة إن عندي ولاد تانيين غير اللي خلفتهم ولما بشوف البنات مندمجين مع بعض زي اخوات حقيقين. الوصول للنقطة دي مش سهل أبدًا.” قالت سالي وشريف أكد على الكلام ده، “بنتي أكيد محظوظة عشان عندها تلات اخوات تانيين.”
يمكن الموضوع مش سهل لكل العائلات الغير تقليدية دلوقتي، بس التغيير بيحصل عشان يبقى فيه ترحيب أكتر بالعائلات اللي زي دي أو أي عيلة حديثة. في حاجات ممكن تتعمل من أفراد العيلة نفسهم عشان نوصل للترحيب والتقبل ده. “عشان أنا مدرسة، كنت محظوظة إني درست عن نفسية الأطفال والمراهقين،” قالت سالي. “علم نفس الأطفال مش بس بيساعدك تتعامل مع الطفل ازاي، بس بيعرفك أفعال الكبار جاية في الأساس منين.”
لأن المجتمع ليه تأثير كبير علينا محدش يقدر ينكره، نشر الوعي عن أشكال العيلة الحديثة هو ضروري دلوقتي. “مع زيادة نسبة الطلاق، لازم يبقى فيه ورش ومحاضرات ومناقشات عن الصحة النفسية وازاي الأهالي يتعاملوا في المواقف دي،” قالت سالي. نشر الوعي ده ممكن يحصل من خلال الإعلام كمان. “السوشيال ميديا النهاردة قوية جدًا وتأثيرها واضح وكبير،” قالت سالي.
شريف عايز يشوف الموضوع ده بيتناقش في كل حتة. “محتاجين نشوف صور للعيلة الحديثة في الأفلام والمسلسلات عشان ده اللي بيأثر على الناس. النهاردة كل واحد باصص في تيليفونه، لو شوفنا بوستات عن الموضوع ده على فيسبوك وانستجرام، أكيد ده هيساعد برضو،” قال شريف.
“محتاجين نشوف صور للعيلة الحديثة في الأفلام والمسلسلات عشان ده اللي بيأثر على الناس”