في حضرة الوحدة، وغياب الونس

كتير مننا بيخافوا من الوحدة، في ناس من أكبر مخاوفها إنها تكمّل في الحياة لوحدها، من غير شريك الحياة، من غير حد تتكلم معاه، وتحكيله أخبارها، وتشاركه لحظات الفرح والحزن. شعور الوحدة ممكن يكون مؤذي جداً ساعات، وساعات لا يُحتمل. بس اللي كتير مننا مايعرفهوش إن في فرق كبير بين إنك تكون لوحدك، وإنك تكون حاسس إنك وحيد. الحياة من غير شريك أو صاحب مش لازم بالضرورة تكون حياة بائسة وتعيسة، بالعكس ممكن جداً تكون حياة سعيدة.

 

بطبيعتنا كبني آدمين، بنحتاج نتواصل مع غيرنا علشان نعيش. كلنا بنحتاج نحس بالدعم والتقدير. الإحتياج ده ساعات بيخلينا نتعلّق بأشخاص، ونبقى متأكدين إننا مش هانعرف نستمر في الحياة من غيرهم. دايماً بنحس بالوحدة في الأوقات اللي بنكون فيها لوحدنا؛ مع إن دول حالتين مختلفتين: واحدة بتكون حالة جسدية مؤقتة، والتانية شعور عاطفي له مسببات تانية. وبسبب الخلط بين الحالتين، بنختار نكمّل في علاقات مرهقة ومؤذية علشان بس خايفين نحسّ بالوحدة.

 

الوحدة احساس بيتخلق من معتقداتنا وإختيارتنا. أحياناً بنحس بالوحدة مش علشان إحنا وحيدين فعلاً، لكن علشان مفهومنا لكلمة “وحدة”. ساعات بنحس بالوحدة علشان ماعندناش الشجاعة ولا القوة إننا نتواصل مع اللي حوالينا، أو علشان مابنعرفش نحدد العلاقات اللي في حياتنا، اللي نقدّر نستمّد منها الونس اللي بندوّر عليه وبنحتاجه.

 

الحقيقية، إحنا عمرنا ما بنكون فعلاً لوحدنا. في دايماً ناس بتحبنا وبتهتم بينا، وعايزينا نكون في أحسن حال، ومستعدين يقدموا لينا كل شيء بدون شروط، وقت ما بنحتاجهم بنلاقيهم. اتعلم تطلب المساعدة والدعم وقت ما تحتاج. ده دليل على القوة مش على الضعف. القوة الحقيقة بتكمُن في قدرتك على الإعتراف بضعفك قدّام نفسك وقدّام غيرك. كلنا مهما بلغت قوتنا ونوفذنا بنحتاج للمساعدة والدعم، علشان كدة إحنا اتخلقنا في الأرض مع بعض، ماحدش فينا اتخلق لوحده.

 

الاحساس بالوحدة بيحصل بسبب الإحتياج للتواصل والإرتباط بشخص ما، الرغبة في الإنتماء. لكن الإرتباط والدخول في علاقة مش معناه بالضرورة إنك مش هاتحس بالوحدة أبداً. ممكن نكون مع حد بجسمنا بس برضه مش عارفين نحس بأي إرتباط أو إنتماء ناحيته، وده بيزوّد إحساسنا بالوحدة.

 

التغلب على الوحدة بيبدأ بارتباطك بنفسك. كل ما كان جوّاك سلام واستاق نفسي كل ما كان تغلبك على الوحدة أسرع وأسهل. بص لنفسك دلوقتي، بقيت عامل إزاي؟ اتطورت قد إيه، حققت إيه من اللي كان نفسك تحققه، وبتنتمي لإيه في العالم ده. اتخيل الشخص اللي نفسك تكونه. وابدأ اشتغل على نفسك.

 

استكشف نفسك، من أكتر التجارب الممتعة هي إكتشاف الذات. اعرف بتحب إيه، حدد معتقداتك ومبادئك. استثمر في الحاجات اللي بتحمّسك. قابل ناس جديدة، لإن أفضل طريقة تعرف بيها نفسك عن طريق اللي حواليك. اخرج برا الكمفورت زون، لإنك طول ما أنت في نفس المكان عمرك ما هاتتقدم، إدي نفسك فرصة تعيش تجارب جديدة، وهاتتفاجئ بقدراتك اللي مالهاش حدود في حاجات كتير عمرك ما كنت تتخيل إنك تعرف تعملها! إبني علاقة بينك وبين نفسك. العلاقة الجديدة دي أوعدك إنها هاتلغي أي احساس بالوحدة. اهتم بنفسك وكون لطيف معاها. اتسق واقبل نواقصك وعيوبك، واشتغل على تحسينها وتطوير نسخة أفضل وأنجح من نفسك. كون أفضل صُحبة ممكن تقضي وقت معاها.

 

الإرتباط السليم بنفسك، بيخليك تعرف تحدد العلاقات الصحية اللي إنت محتاجها، وبتدوّر عليها في حياتك. بيخليك مرتاح أكتر مع نفسك، وعارف كويس إحتياجاتك ومتطلباتك. وقتها بس هاتجذب الناس اللي شبهك، واللي ترتاح في صحبتهم أكتر، من غير ما يسببولك أي أذى نفسي، أو ضغوطات. بسبب صدقك وشفافيتك مع نفسك، ثقتك بنفسك بتزيد، مش هاتحتاج تتظاهر أو تثبت لحد حاجة مش فيك؛ كل ده هايخلي دواير معارفك حقيقية مش مزيفة، معارف وأصدقاء هايساعدوك تتقدم وتتطور أكتر. مش هاتبقى محتاج ترضى بعلاقات أقل من اللي تستحقها علشان بس خايف من الوحدة.

 

دلوقتي عرفت الفرق بين إنك تكون لوحدك، وبين إنك تكون وحيد، وإزاي تتعامل وتتجاوز الحالتين.

No Comments Yet

Leave a Reply

Your email address will not be published.